اختلف العلماء في أن الإسراء والمعراج هل كانا في ليلة واحدة؟ أو كل في ليلة على حدة؟ فمنهم من يزعم أن الإسراء في اليقظة، والمعراج في المنام. وقد حكى المهلب بن أبي صفرة في شرحه البخاري عن طائفة: أنهم ذهبوا إلى أن الإسراء مرتين: مرة بروحه مناماً، ومرة ببدنه وروحه يقظة.
وقد حكاه الحافظ أبو القاسم السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي الفقيه .. قال السهيلي: وهذا القول يجمع الأحاديث فإن في حديث شريك عن أنس وذلك فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبهن وقال في آخره: ثم استيقظت فإذا أنا في الحجر وهذا منام. ودل غيره على اليقظة.
ومنهم من يدعى تعدد الإسراء في اليقظة أيضاً حتى قال بعضهم: أنها أربعة إسراءات.
عن أنس بن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسرى به قال: بينما أنا في الحطيم - وربما قال: في الحجر مضجعاً إذ أتاني آت) فقال: وسمعته يقول: (فشق ما بين هذه إلى هذه) (فاستخرج قلبي) ثم أتيت بطست من ذهب مملوءة إيماناً فغسل قلبي ثم حشى ثم أعيد، ثم أتيت بدابة دون البغل وفوق الحمار أبيض) فقال الجارود: وهو البراق يا أبا حمزة؟ قال: أنس: نعم!: (يضع خطوة عند أقصى طرفه فحملت عليه فانطلق بي جبرائيل حتى أتي السماء الدنيا فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه. قال: نعم! قيل: مرحباً به فنعم المجيء جاء، ففتح فلما خلصت فإذا فيها آدم فقال هذا أبوك آدم فسلم عليه. فسلمت عليه فرد السلام ثم قال : مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح .. ثم صعد إلى السماء الثانية فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلمت عليهما فردا ثم قال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الثالثة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء، ففتح. فلما خلصت إذا يوسف فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إدريس قال: هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال مرحباً بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا هارون قال: هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح. ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا موسى قال: هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزت بكى فقيل له ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من ما يدخلها من أمتى. ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبرائيل قيل: من هذا؟ قال: جبرائيل. قيل: ومن معك؟ قال محمد. وقد أرسل إليه؟ قال: نعم! قيل: مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت إذا إبراهيم قالك هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه، فسلمت عليه فرد السلام ثم قالك مرحباً بالإبن الصالح والنبي الصالح.
ثم رفعت إلى سدرة المنتهى، وإذا أربعة أنهار نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: ما هذا يا جبرائيل؟ قال: أما الباطنان: فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم أتيت بإناء من خمر وإناء من عسل، فأخذت اللبن قال: هي الفطرة التي أنت عليها وأمتك. ثم فرض علي الصلوات خمسون صلاة كل يوم فرجعت فمررت على موسى فقال: بم أمرت قال: أمرت بخمسين صلاة كل يوم. قال: إن أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم، وإني والله جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فوضع عني عشراً فرجعت إلى موسى فقال مثله، فرجعت فأمرت بعشر صلوات كل يوم، فقال مثله، فرجعت فأمرت بخمس صلوات كل يوم، فرجعت إلى موسى فقال: بما أمرت؟ فقلت بخمس صلوات كل يوم.
قال إن أمتك لا تستطيع خمس صلوات كل يوم، وإني قد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فسله التخفيف لأمتك. قال: سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضي وأسلم قال: فلما جاوزت ناداني مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي.
قال البخاري: حدثنا الحميدي حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، والشجرة الملعونة في القرآن قال: هي شجرة الزقوم.
لما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من صبيحة ليلة الإسراء جاءه جبرائيل عند الزوال فبين له كيفية الصلاة وأوقاتها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فاجتمعوا وصلى به جبرائيل في ذلك اليوم إلى الغد والمسلمون يأتمون بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يقتدي بجبرائيل.
كما جاء في الحديث عن ابن عباس وجابر (أمني جبرائيل عند البيت مرتين) فبين له الوقتين الأول والآخر، فهما وما بينهما الوقت الموسع ولم يذكر توسعة في وقت المغرب وقد ثبت ذلك في حديث أبي موسى وبريدة وعبدالله بن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن عمرو وكلها في صحيح مسلم. فأما ما ثبت في صحيح البخاري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فرضت الصلاة أول ما فرضت ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر . وكذا رواه الأوزاعي عن الزهري ورواه الشعبي عن مسروق عنها. وهذا من جهة أن عائشة كانت تتم الصلاة في السفر، وكذا عثمان بن عفان. وقد قال تعالى (وإذا ضربتم الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال البيهقي: وقد ذهب الحسن البصري إلى صلاة الحضر أول ما فرضت أربعاً كما ذكره مرسلاً من صلاته عليه السلام صبيحة الإسراء الظهر أربعاً، والعصر أربعاً والمغرب ثلاثاً يجهر في الأوليين، والعشاء أربعاً يجهر في الأوليين والصبح ركعتين يجهر فيهما.
فلعل عائشة أرادن أن الصلاة كانت قبل الإسراء تكون ركعتين ركعتين ثم فرضت الخمس حضراً على ما هي عليه، ورخص في السفر أن يصلي ركعتين كما كان الأمر عليه قديماً.
ومن هنا نرى أنه فرض الله سبحانه وتعالى على عبده محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته الصلوات ليلتئذ خمسين صلاة في كل يوم ولية، ثم لم يزل يختلف (يتردد) بين موسى وبين ربه عزوجل حتى وضعها الرب جل جلاله وله الحمد والمنة خمساً وقال: هي خمس وهي خمسون ، الحسنة بعشر أمثالها، فحصل له التكليم من الرب عز وجل ليلتئذ، وأئمة السنة كالمطبقين على هذا. واختلفوا في الرؤية: فقال بعضهم رآه بفؤاده مرتين، قاله ابن عباس وطائفة، وأطلق ابن عباس وغيره الرؤية وهو محمول على التقييد.
وممن أطلق الرؤية أبو هريرة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، وصرح بعضهم بالرؤية بالعينين واختاره ابن جرير وبالغ فيه وتبعه على ذلك آخرون من المتأخرين. وممن نص على الرؤية بعيني رأسه الشيخ أبو الحسن الأشعري فيما نقله السهيلي عنه، واختاره الشيخ أبو زكريا النووي في فتاويه.
وقالت طائفة: لم يقع ذلك لحديث أبي ذر في صحيح مسلم: قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ فقال: (نوراني آراه) وفي رواية (رأيت نوراً). قالوا: ولم يكن رؤيةالباقي بالعين الفانية ولهذا قال الله تعالى لموسى فيما روي في بعض الكتب الإلهية: يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات ولا يابس إلا تدهده. والخلاف في هذه المسأله مشهور بين السلف والخلف والله أعلم.
ثم هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والظاهر أن الأنبياء هبطوا معه تكريماً له وتعظيماً عند رجوعه من الحضرة الإلهية العظيمة، كما هي عادة الوافدين لا يجتمعون بأحد قبل الذي طلبوا إليه، ولهذا كان كلما مر علي واحد منهم يقول له جبريل - عندما يتقدم ذلك للسلام عليه - هذا فلان فسلم عليه، فلو كان قد اجتمع بهم قبل صعوده لما احتاج إلى التعرف بهم مرة ثانية. ومما يدل على ذلك أنه قال: (فلما حانت الصلاة أممتهم) ولم يحن وقت إذ ذاك إلا صلاة الفجر فتقدم إماماً بهم عن أمر جبريل فيما يرويه عن ربه عزوجل، فاستفاد بعضهم من هذا أن الإمام الأعظم يقدم الإمامة على رب المنزل حيث كان بيت المقدس محلتهم ودار إقامتهم، ثم خرج منه فركب البراق وعاد إلى مكة فأصبح بها وهو غاية الثبات والسكينة والوقار. وقد كاين في تلك الليلة من الآيات والأمور التي لو رآها - أو بعضها - غيره لأصبح مندهشاً أو طائش العقل، ولكنه صلى الله عليه وسلم أصبح واجماً - أي ساكناً - يخشى إن بدأ فأخبر قومه بما رأى أن يبادروا إلى تكذيبه، فتلطف بإخبارهم أولاً بأنه جاء بيت المقدس في تلك الليلة وذلك أن أبا جهل - لعنه الله - رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو جالس واجم فقال له: هل من خبر؟ فقال: نعم! قال: وما هو؟ فقال: إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس.
قال: إلى بيت المقدس؟ قال: نعم! قال: أرايت إن دعوت قومك لك لتخبرهم أتخبرهم بما أخبرتني به؟ قال نعم! فأراد أبو جهل جمع قريش ليسمعوا منه ذلك وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم ليخبرهم ذلك ويبلغهم.
فقال أبوجهل: هيا معشر قريش وقد اجتمعوا من أنديتهم فقال: أخبر قومك بما أخبرتني به. فقص عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى وأنه جاء بيت المقدس هذه الليلة وصلى فيه، فمن بين مصفق وبين مصفر تكذيباً له واستبعاداً لخبره وطار الخبر بمكة وجاء الناس إلى أبي بكر رضي الله عنه فأخبروه أن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا فقال: إنكم تكذبون عليه. فقالوا: والله إنه ليقوله .. فقال: إن كان قاله فلقد صدق ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله بعض مشركي قريش فسأله عن ذلك فأخبره فاستعلمه عن صفات بيت المقدس ليسمع المشركون ويعلموا صدقه فيما أخبرهم به. وفي الصحيح: أن المشركين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قال: فجعلت أخبرهم عن آياته فالتبس علي بعض الشيء، فجلى الله لي بيت المقدس حتى جعلت أنظر إليه دون دار عقيل وأنعته لهم) فقالك أما الصفة فقد أصاب.
فقال وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوداي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة فند لهم بعير فدللتهم عليه وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت حتى إذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان فوجدت القوم نياماً ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان وآية ذلك: أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم البيضاء يقدمها جمل أورق عليه غرارتان إحداهما سوداء والأخرى برقاء.
قال: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أول من الجمل الذي وصف لهم، وسألوهم عن الإناء وعن البعير فأخبروهم كما ذكر صلوات الله وسلامه عليه.
وذكر يونس بن بكير عن اسباط عن إسماعيل السدي: أن الشمس كادت تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا الله عزوجل فحبسها حتى قاموا كما وصف لهم. قال: فلم تحتبس الشمس على أحد إلا عليه ذلك اليوم وعلى يوشع بن نون. رواه البيهقي.
قال ابن إسحاق: واخبرني من لا أتهم عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتى بالمعراج ولم أر شيئاً قط أحسن منه وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حضر، فأصعدني فيه صاحبي حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة عليه بريد من الملائكة يقال له: إسماعيل تحت يده إثنا عشر ألف ملك، تحت يد كل ملك منهم إثنا عشر ألف ملك. قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حدث بهذا الحديث: (وما يعلم جنود رب إلا هو).
لما فرغ صلى الله عليه وسلم من أمر بيت المقدس نصب له المعراج وهو السلم فصعد فيه إلى السماء ولم يكن الصعود على البراق كما قد يتوهمه بعض الناس بل كان البراق مربوطاً على باب مسجد بيت المقدس ليرجع عليه إلى مكة فصعد من سماء إلى سماء في المعراج حتى جاوز السابعة وكلما جاء سماء تلقته منها مقربوها ومن فيها من أكابر الملائكة والأنبياء.
وذكر أعيان من رآه من المرسلين كآدم في سماء الدنيا، ويحيى وعيسى في الثانية وإدريس في الرابعة وموسى في السادسة - على الصحيح - وإبراهيم في السابعة مسنداً ظهره إلى البيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة يتعبدون فيه صلاة وطوافاً ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، ثم جاوز مراتبهم كلهم حتى ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام.
ورفعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى وإذ ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر، وغشيها عند ذلك أمور عظيمة أوان متعددة باهرة، وركبتها الملائكة مثل الغربان على الشجرة كثرة وفراش من ذهب وغشيها نور الرب جل جلاله.
ورأى هناك جبريل عليه السلام له ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين السماء والأرض وهو الذي يقول الله تعالى (ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى) (النجم 13 - 17). أي مازاغ يميناً ولا شمالاَ ولا ارتفع عن المكان الذي حد له النظر إليه وهذا هو الثبات العظيم والأدب الكريم وهذه الرؤيا الثانية لجبريل عليه السلام على الصفة التي خلقه الله تعالى عليها كما نقله ابن مسعود وأبو هريرة وأبوذر وعائشة رضي الله عنهم أجمعين. والأولى هي قوله تعالى: (علمه شديد القوى. ذو مرة فاستوى. وهو بالأفق الأعلى. ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى. فأوحى إلى عبده ما أوحى) (النجم 5 - 10). وكان ذلك بالأبطح، تدلى جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساداً عظيم خلقه ما بين السماء والأرض حتى كان بينه وبينه قاب قوسين أو أدنى، هذا هو الصحيح كما دل عليه كلام أكابر الصحابة المتقدم ذكرهم رضي الله عنهم.
وعن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.
عن ابن إسحاق قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى - وهو بيت المقدس من إيلياء - وقد فشا الإسلام بمكة في قريش وفي القبائل كلها.
قال: وكان من الحديث فيما بلغني من مسراه صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود وأبي سعيد وعائشة ومعاوية وأم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنهم والحسن ابن أبي الحسن وابن شهاب الزهري وقتادة وغيرهم من أهل العلم ما اجتمع في هذا الحديث كل يحدث عنه بعض ما ذكر لي من أمره وكان في مسراه صلى الله عليه وسلم وما ذكر لي منه بلاء وتمحيص وأمر من أمر الله وقدرته وسلطانه فيه عبرة لأولي الألباب، وهدي ورحمة وثبات لمن أمن وصدق وكان من أمر الله على يقين، فأسرى به كيف شاء وكما شاء ليريه من آياته ما أراد حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم وقدرته التي يصنع بها ما يريد.
وكان عبدالله بن مسعود فيما بلغني يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق وهي الدابة التي كانت تحمل عليها الأنبياء قبله، تضع حافرها في موضع منتهى طرفها فحمل عليها ثم خرج به صاحبه يرى الآيات فيما بين السماء والأرض حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له فصلى بهم ثم أتى بثلاث أوان من لبن وخمر وماء فذكر أنه شرب إناء اللبن، فقال لي جبريل: هديت وهديت أمتك.
وذكر ابن إسحاق في سياق الحسن البصري مرسلاً أن جبريل أيقظه ثم خرج به إلى باب المسجد الحرام فأركبه البراق وهو دابة أبيض بين البغل والحمار وفي فخذيه جناحان يحفر بهما رجليه يضع حافره في منتهى طرفه ثم حملني عليه ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته.
عن قتادة فيما ذكره ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد ركوب البراق شمس (جمح وجنح) به فوضع جبريل يده على معرفته (وجهه) ثم قال: ألا تستحي يا براق مما تصرع؟ فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه. قال: فانحى حتى ارفض عرقاً ثم قر ختى ركبته.
قال الحسن في حديثه فمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضي معه جبريل حتى انتهى إلى بيت المقدس فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم. ثم ذكر اختياره إناء اللبن على إناء الخمر. وقول جبريل له هديت وهديت أمتك، وحرمت عليكم الخمر. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فأصبح يخبر قريشاً بذلك فذكر أنه كذبه أكثر الناس وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشية أفلا أصدقه في بيت المقدس؟! وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس فذكرها له رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيومئذ سمى أبوبكر الصديق.
قال الحسن: وأنزل الله في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (الإسراء 6) وذكر ابن إسحاق فيما بلغه عن أم هانئ أنها قالت: ما أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من بيتي نام عندي تلك الليلة بعدما صلى العشاء الآخرة فلما كان قبيل الفجر أهبنا فلما كان الصبح وصلينا معه قال: (يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الآخرة في هذا الوادي ثم جئت ببيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترين) ثم قام ليخرج فأخذت بطرف ردائه فقلت: يا نبي الله لا تحدث بهذا الحديث الناس فيكذبوك ويؤذونك. قال: (والله لأحدثنهموه) فأخبرهم فكذبوه.