كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الخلاء والانفراد عن قومه، لما يراهم عليه من الضلال المبين، من عبادة الأوثان والسجود للأصنام، وقويت محبته للخلوة عند مقاربة إيحاء الله إليه، صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهراً من السنة يتنسك فيه، وكان نسك قريش في الجاهلية، يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة.
وهكذا روى عن وهب بن كيسان: أنه سمع عبيد بن عمير يحدث عبدالله بن الزبير مثل ذلك. وهذا يدل على أن هذا كان من عادة المتعبدين في قريش، أنهم يجاورون في حراء للعبادة.
وحراء يقصر ويمد، ويصرف ويمنع، وهو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها، عن يسار المار إلى منى، له قلة (أعلى الجبل) مشرفة على الكعبة منحنية، والغار في تلك الحنية وما أحسن ما قال رؤبة بن العجاج:
فلا ورب الآمنات القطن .... ورب ركن من حراء منحنى
اختلف العلماء في تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة: هل كان على شرع، أم لا؟ وما ذاك الشرع؟ فقيل: شرع نوحز وقيل: شرع إبراهيم - وهو الأشبه الأقوى - وقيل: موسى. وقيل عيسى. وقيل: كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به.